أوهام النخبة أو نقد المثقف علي حرب


أوهام النخبة أو نقد المثقف - الطبعة الرابعة 2008

علي حرب، كاتب ومفكر وفيلسوف لبناني.


     أوهام النخبة أو نقد المثقف، هو الكتاب الذي حرصت أن يكون فاتحة لقاءات ديوانية باسمة والتي قمت بتدشينها مع رفيقات القراءة مساء الثلاثاء، السادس من فبراير. 
     عندما تناولت هذا الكتاب بين يدي لأول مرة، كنت أعد نفسي لمواجهة أسلوب كتابي صعب والكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة وضبط، لكن الكتاب جاء عكس توقعاتي، فالمؤلف يتمتع بلغة عربية أخّاذة، وبأسلوب كتابة رشيق وسلس، استمتعت حقاً بقراءة هذا الكتاب، وأنا سعيدة بما أضاف لي من معلومات وأفكار.
     موضوع الكتاب في المجمل هو نقد المثقفين،
والبحث في الموانع التي تمسك بخناقهم، وتمنع المفكرين من التجديد. ومدار الفكرة الرئيسة التي تكررت كثيرا في أكثر من موضع في الكتاب حول الأفكار، وركز علي حرب على أنّ مشكلة المفكر تكمن في الدفاع عن أفكاره والقيام بحراستها.

محتويات الكتاب:

فهرس المحتويات يحمل هذه العناوين الرئيسة:
  1.  نحو سياسة فكرية جديدة (مقدمة ط2)
  2.  مفاعيل النقد (مقدمة ط1)
  3.  نقد المثقف
  4.  أوهام النخبة
  5. أسطورة الإنسان التقدمي
  6. دور المثقف
  7.  الفكر مهنة ودورا (محاضرة)
  8. الفكر بين منطقه وتصنيفاته (مقابلة)
وسأعرض فقط الجزئية المتعلقة بعنوان الكتاب وهدفه: نقد المثقف، و أوهام النخبة.

  • نقد المثقف

الجزء الأول والذي استهلّ به علي حرب آراه حول المثقف، قسّم هذا الجزء إلى تسعة عناوين

1. المثقف وأزمته

    بدأ بأن المثقف أصبح بديلا للسياسي لأنه أصبح مدار الكلام ومحور الاهتمام، في الصحف والمجلات، والبرامج التلفازية، وهو إذ ينقد المثقف لا يسعى إلى تلميعه وتحسين صورته، إنما لفضح البداهات التي تتوارى خلف أطروحاته واهتمامته. 
من هو المثقف الذي ينقده علي حرب؟
     من تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمه سياسة الحقيقة، أو يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية أو الكونية، بفكره وبسجالاته، أ بكتابته ومواقفه. (ص38)
ماهو مفهوم الثقافة عند المؤلف؟
     صناعة الحياة، والاشتغال عى الطبيعة، وشكل من أشكال التواصل والتبادل.
ماهي أزمة المثقف وسبب انهياره؟
     جريان الأحداث بخلاف ما كان يقول المثقف أو يدافع عنه، مثل تراجع مساحات الحريات، والمزيد من الانتهاك لحقوق الإنسان... وهذه الأحداث وضعت المثقف في موضع حرج فبعد أن كان ينقد السلطات أصبح هو موضع النقد. (ص41)
     هذا بالنسبة للمثقفين الغرب، أما المثقف العربي الحديث -في رأي المؤلف- فلم يكن يشارك في صناعة الرأي العام، وصوغ الوعي الجماعي، كما لم يقو على ممارسة دور العلماء والفلاسفة في العصر الإسلامي، ولهذا لم تكن له سلطة رمزية يعترف بدورها وأهميتها.
    يرى علي حرب أن هذا مآل حراسة الأفكار، فقد كان المثقفون قليلي الجدوى في مجريات الحدث، وأثبتوا أنهم لا يعرفون كيف تلعب اللعبة وتُبنى القوة؛ وذلك لأنهم يرون العلة في الواقع لا في الأفكار أو في أنماط الفهم أو في طريقة التعامل مع الحقائق.

2. مشكلة المثقف هي أفكاره

     في مَطلع هذه المقالة، نبّه المؤلف أن نقده ليس تعميمياً على كافة المثقفين العرب، فيوجد رواد مثل إدوار سعيد "يحاولون فض الاشتباك بينهم وبين الأفكار والمشاريع التي تعيشوا عليها ردحا من الزمن، وكان مآلها فقدان المصداقية وتمزيق المشروعية..."
     وإدوار نفسه تحدث عن "المثقف المنفي" الذي لا يفارقه الشعور بالغربة والعزلة والهامشية، وربط هذا الأمر بعدم التكيف مع المجتمع، مع أن المثقف تتجلى أهميته عندما يكون متمايزاً عن المجتمع! وهذا يقود إلى أسئلة مهمة طرحها طرحها المؤلف لإعادة النظر في وضع المثقف:
كيف يحافظ المثقف على استقلاليته وفاعليته في آن، بحيث لا يكون طوباويا، ولا ينغمس في واقعه كل الانغماس؟
لماذا يفاجأ المثقفون باللامتوقع؟ ولماذا يزداد المثقف هامشية اليوم؟

3. أزمة المثقف هي في نخبويته.

     مفهوم الطليعة (النخبة): هو أن هناك ذوات مستنيرة، مريدة، متميزة باستقلاليتها عن السلطة وتحررها من القيود والتقاليد، هي ذوات النخب المثقفة = الأمر الذي يؤهلها لأن تفكر عن سواد الناس وتقرر عنهم أو تخطط لهم. (ص50)
     وخطورة هذا الأمر أن المثقف يزعم أنه ينخرط في مشكلات المجتمع أو يمثل الشعب، في حين هو يُسقط تطلعاته وأوهامه على غيره، بتوهّمه أن ما يتطلع إليه أو يحلم به هو نفس ما يفكر فيه الناس أو يُعانون منه.
ما أثر وحقيقة النخبة؟
     قيام فئة من بين الناس تدعي تمثيلهم والدفاع عن مصالهحم، بوصفها الطليعة والواعية أو النخبة، معناه إبقاء الناس في حال الجهل والتبعية والعجز؛ فالذين اعتقدوا أن مهمتهم التفكير عن الناس، والعمل على توعيتهم وتحريرهم انتهى بهم العمل إلى إقامة سلطة استبدادية عليهم.
ليتواضع المثقف فهو قطاع من قطاعات المجتمع، والجماهير ليست مادة لعمله أو آلة لمشروعه.

4. سلطة المثقف = السلطة الرمزية

كيف يمارس المثقف سلطته؟ 
     بأن يخفي حقيقته وسلطته، ويتستر على فعله وأثره، فهو يعلن انحيازه إلى المقهورين في مواجهة سلطة القهر، فيما هو يشكل سلطته ويمارس سيطرته.

ما هي السلطة التي يملكها المثقف؟
سلطة الكلام والكتابة، صحيح أنها ليست ندا لسلطة السيف والمال، لكنها سلطة في النهاية.

كيف يستغل المثقف سلطته الرمزية؟
     المثقف يقدم نفسه عادة على أنه صاحب رسالة وليس صاحب غاية أو منفعة. ومهنته قوامها أن تخفي حقيقتها، أي كونها تشكل مهنة ومصلحة، أو تعمل على تشكيل سلطة خاصة، وهذا تناقض بحت فهو يعمل على مقارعة السلطة فيما هو على منافستها على المشروعية.

5. خداع الأفكار الكبرى 

     تحت هذا العنوان، ذكر المؤلف شأن المثقفين -غالبا- بافتتانهم بالشعارات والمشاريع الكبيرة المتعلقة بمصير الأمة ومستقبلها، متناسين الانخراط والتماهي مع المجتمع لمعرفة ما يحتاج فعلا.
انبلاج الحق! زمن التحرير الكبير! إعادة كتابة تاريخ الاسلام!

6. طوبى التطبيق = وهم المطابقة

     وهم المماهة والتطبيق، الذي يجعل المثقف يظن أنه يمكنه تطبيق الأفكار والمفاهيم على الساحة السياسية والاجتماعية كما هي؛ فما يكتب على الورق لا علاقة له بما يجري على الواقع، والمفاهيم أدوات للقراءة أو استعارات للمقاربة، أو آليات للتحويل.
     ولا يمكن تطبيق الافكار بحذافيرها، فالمسألة ليست مسألة تطبيق بقدر ماه مسألة تشكيل وتخليق، وإنشاء وانبناء.
     ويرى المؤلف أنه ينبغي على المثقف إعادة التفكير في المفاهيم التي يسعى إلى تطبيقها وذلك في ضوء وقائع العالم ومجرياته. لأن التفكير -عند المؤلف- هو قراءة في الحدث تحرره من منطق الراسلة والعقيدة، وأساساً قوة الأفكار في مرونتها وقبولها للتحول والابتكار.

7. المثقف مستلبا

    المثقف لا يرضى أبدا بالواقع، لأن ما يقع هو دائما مخالف لما يجب أن يكون، أي للمثل والنماذج التي يتخيلها للمجتمع والعالم.
     مفهوم الاستلاب هو مفهوم نفساني، قد يشكل حافزا، ولكنه لا يصلح كأداة مفهومية لقراءة العالم. ذلك أن الحقيقة ليست شيئا نفتقده أو غائبا ننتظره.. وإنما هي ما نصنعه وننجزه.
     من صور الاستلاب: الاستعمار، الآلة والتقنية، الغزو الثقافي.

8. المثقف يحرس أفكاره

حول مفهوم التنوير وكيف أن حراسة هذا المفهوم أدت إلى جعله آلة للقمع!

9. المثقف والمفكر

     كانت هذه المقالة ختام الجزء الأول من الكتاب "نقد المثقف"، قارن فيها المؤلف بين المثقف والمفكر ودور كل منهما على الساحة الفكرية والاجتماعية.

من هم المفكرين وماهو عملهم؟
     المؤلف يعني بالمفكرين "أولئك الذي يسهمون في إنتاج أفكار خلاّقة، أو في توليد بيئات فكرية خصبة، أو في استحداث فروع معرفية جديدة، أو في ابتداع ممارسات علمية مختلفة". ثم ساق عدة أمثلة على المفكرين المؤثرين أمثال كنط، وسارتر، وفوكو في العالم الغربي، ومعبد الجهني، واصل ابن عطاء، وابن رشد في العالم العربي.
     يؤكد المؤلف أن مهنة المثقف تتلازم مع صناعة الفكر وتتغذى منها، ففي غياب المفكرين يفقد المثقف فاعليته.

ما هي الفوارق بين المثقف والمفكر؟
     • المثقف يدافع عن الحقوق ويناضل من أجل الحريات، إنه يمارس نقده على جبة "الممنوع". أما المفكر فهو يركز نقده على جبهة "الممتنع" ولهذا يهتم بتفكيك العوائق الذاتية للفكر.
     • المثقف يهتم بالهوية الفكرية أكثر مما يهتم بمعرفة الوقائع وصنع الحقائق، ولهذا فهو يعجز عن التجديد والابتكار، لأن إرادة العقيدة تتغلب عنده على إرادة المعرفة، ولأن هاجسه هو المدافعة والمحافظة لا غير. أما المفكر يهتم بإشكالية المعرفة وتجديد أدوات الفكر، سواء بابتداع طريقة مغايرة في التفكير أو بفتح أسئلة جديدة تُعيد صياغة إشكالية الفكر.
     • المثقف يعني الثقافة الحرة والكتاب في عصر الاستبداد والاستهلاك. والمفكر يُعيد التفكير في إشكالية الثقافة والكتابة والقيم، ويحاول فهم الظواهر الاجتماعية.
     • المثقف يهتم بتجديد الفكر العربي والتراث الإسلامي، في حين أن المفكر يركّز نقده على الكوجيتو (المنهج) بالدرجة الأولى، وبالاجمال فإن شاغل المفكر هو أن ينتج معرفة تهم كل ذي فكر.
     • أخيرا، المثقف هو من ينجح في خداع الناس وإيهامهم بأهمية دوره، في حين أن المفكر يبيّن أننها لا نهوى الحرية بقدر ما نزعم.ختم المؤلف هذه المقالة بأن لكل من المثقف والمفكر مشروعيته، والمثقف مشروعيته أن ينطق بالحقيقة ويدافع عن الحقوق والمصالح، أما المفكر فمشروعيته نقد المثقف بعد أن أصبح هذا الأخير وجه من وجه الأزمة في حياة المجتمع.

• أوهام النخبة

     الجزء الثاني من الكتاب، شرعَ المؤلف فيه بالجواب على سؤال يطرحه البعض عليه: ما الذي أريده من وراء هذا النقد؟
الجواب: القراءة والتشخيص، قراءة الحدث وتشخيص الأزمة.
     ويعني بالحدث التحولات الكبرى التي تشهدها الأمة خصوصا في مجال الإعلام، أما الأزمة فيعني ما آل إليه وضع المثقف من العزلة والعجز والهشاشة.
     ثم أكد أن الأوهام كثيرة، لكن أهمها خمسة: وهم النخبة، وهم الحرية، وهم الهوية، وهم المطابقة، وهم الحداثة، وسأختصرها تباعا:

1. وهم النخبة: سعي المثقف إلى تنصيب نفسه وصياً على الحرية والثورة، أو رسولا للحقيقة والهداية، أو قائدا للمجتمع والأمة.
ما هي مهنة المثقف الاصلية؟
     الاهتمام بالأفكار والاشتغال على المعطيات الثقافية، بحثا عن إمكانيات جديدة للتفكير.

2. وهم الحرية: إعتقاد المثقف أن بإمكانه تحرير المجتمعات والشعوب من أشكال التبعية والهيمنة أو من شروط التخلف والفقر. وهذا الوهم شكّل عائقا أعاق المثقف عن الإنتاج الفكري.
ماهي نتائج جهود المفكرين العرب حول الحرية؟
أولا: الجهل بأحوال العالم وبأوضاع المجتمعات المراد تغييرها.
ثانيا: أن العالم يتغير على نحو يفاجئ المثقفين الغرقى في أوهامهم عن الحرية والنهضة والتقدم.

3. وهم الهوية: اعتقاد المرء أن بإمكانه أن يبقى هو هو ، بالتطابق مع أصوله أو الالتصاق بذاكرته أو المحافظة على تراثه.
     ونتائج هذا الوهم منع المثقف من التجديد والإبداع والحيال بينه وبين الانخراط في العالم. يجب على العامل في مجال الفكر الشعور بالانتماء للنوع البشري، وأن العالم هو مداه الأرحب.

4. وهم المطابقة = طوبى التطبيق
     مفاد المطابقة أن الحقيقة جوهرٌ ثابت، سابق على التجربة متعال على الممارسة، يمكن القبض عليه عبر التصورات، والتعبير عنه بواسطة الكلمات، ومن ثم ترجمته في الحيارة العملية وعلى أرض الممارسات من خلال النظم والتشريعات والمؤسسات.
مثال على هذا الوهم: معاملة العرب للديموقراطية والوحدة كصيغ جاهزة.

5. وهم الحداثة: وهم يحول بين المثقف وبين الاستقلال الفكري أو ممارسة التفكير النقدي. وهكذا فهو سلوك فكري يتجلى في تقديس الأصول أو عبادة النماذج أو التعلق الماورائي بالأسماء والتوقف الخرافي عند العصور.
وعلي حرب ينتقد تعلق المثقف بالحداثة كتعلق المقلد بالنماذج.

     إلى هنا أنتهي من عرض أهم جزأين في الكتاب، أتمنى أن أكون وفقّت إلى إيصال أفكار المؤلف ومراده من خلال هذا العرض الموجز.

شاركني رأيك